الأحد، 20 ديسمبر 2009

كن مستعدا للاقاء خطبة الجمعة





خطبة الجمعة-الخليفة الراشد سيّدنا عمر بن عبد العزيز


إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونشكره ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا مثيل له، هو الخالق الذي أبرز وكون جميع المخلوقات من العدم إلى الوجود، وقد صدق الله بقوله [قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ] ، هو الله الرازق الذي يوصلُ الأرزاق إلى عباده، وقد صدق الله بقوله [إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ] هو الله العالم بالسرائر والخفيّاتِ التي لا يُدركُها علمُ المخلوقاتِ، هو الخالق الذي لا تخفى عليه خافية، وقد صدق الله بقوله [وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ] وأشهد أن سيّدَنا وحبيبنا وعظيمنا وقائدنا وقرةَ أعيننا محمدا عبدُه ورسوله وصفيه وحبيبه، هو محمدٌ رسولُ ربِ العالمين، هو حبيبُ ربِ العالمين، هو محمدٌ سيّدُ الجنِ والإنس أجمعين، هو محمدٌ سيد الأنبياء والمرسلين، فيا عِزَّنا بمحمد، ويا عزنا بدين محمد، ويا عزنا بشرع محمد، ويا عزنا بالطيبين الطاهرين من أصحاب محمد، ويا عزنا بالأئمة الأعلام الذين ساروا على درب محمد. ( يا عزنا بمحمد: هذا نداء للتغني به وليس لغرض الإجابة)
اللهمَّ صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد، ولك الحمدُ يا الله أن جعلتَنا على دين محمد، ومن أتباع محمد، ومن أمة محمد.
أما بعد فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العلي القدير الذي أنزلَ على قلبِ حبيبه محمّد: [مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا].
من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وكلامنا اليومَ بإذنِ الله ربِ العالمينَ عن رجلٍ من هؤلاءِ الرجالِ الرجال، حَسَنِ الخَلق والخُلُق، حريصٍ على العدل، وافرِ العلم، فقيهِ النفس، ظاهرِ الذكاء والفهم، أوّاهٍ مُنِيب، قانتٍ لله ناطقٍ بالحقِ، عُدَّ عندَ أهلِ العلمِ منَ الخلفاءِ الراشدين والعلماءِ العاملين، وهو أولُ مجدّدٍ، كان في هذه الأمّة، إنه عمرُ بن عبد العزيزِ، الإمامُ الحافظ العالم العلامة المجتهدُ الزاهد العابد رحمه الله، ورضي عنه.
كان رضي الله عنه أبيضَ رقيقَ الوجهِ جميلاً نحيفَ الجسمِ حسنَ اللحية، غائرَ العينين، بجبهته أثرُ حافرِ دابّةٍ، فلذلك سُمي أشجَّ بني أميةَ. عمرُ بنُ عبد العزيز بكى وهو غلامٌ صغير، فأَرسَلَتْ إليه أمُّه وقالت: ما يُبكيك؟ قال: ذَكرتُ الموتَ. ذَكَرَ الموتَ فبكى، وفي زمنِ خلافته رضي الله عنه كانتِ الغنمُ والذّئابُ ترعى في مكانٍ واحدٍ، فلقد جاء في كتابِ حِليةِ الأولياءِ أن رجلا قال: كنتُ أحلِبُ الغنمَ في خلافة عمرَ بنِ عبد العزيزِ فمَرَرْتُ براعٍ وفي غنمِه نحوٌ من ثلاثينَ ذِئبا، فحسِبتُها كلابا، ولم أكن رأيتُ الذئابَ قبلَ ذلك، فقلتُ يا راعي ما ترجو بهذه الكلابِ كُلِها؟ فقال يا بنيَّ إنها ليست كلابا إنما هي ذئابٌ. فقُلتُ سبحانَ اللهِ، ذئبٌ في غنمٍ لا تضُرُّها؟! فقال يا بُنيَّ إذا صلَحَ الرأسُ فليس على الجسدِ بأسٌ.
دخل عمرُ بنُ عبد العزيز وهو أميرُ المؤمنين على امرأتِه فاطمةَ بنتِ عبدِ الملك قائلا لها: عندكِ درهمٌ أشتَرِي به عِنَـبًا؟ قالت لا، قال عندكِ فُلوسٌ أشتري بها عنبا؟ قالت لا ، فأَقبَلَتْ عليه فقالت أنت أميرُ المؤمنين، لا تقدِرُ على دِرهمٍ ولا فلوسٍ تشتري بها عنبا؟ قال هذا أهونُ علينا من معالجةِ الأغلالِ غدا في نارِ جهنّم.
وعن مَسْلَمةَ بنِ عبدِ الملك قال دخلتُ على عمرَ بنِ عبد العزيز أعودُهُ في مرضه، فإذا عليه قميصٌ وَسِخٌ، فقلتُ لفاطمةَ بنتِ عبد الملك: يا فاطمةُ، اغسِلي قميصَ أميرِ المؤمنين، قالت: نفعلُ إن شاء الله، ثم عدتُّ فإذا القميصُ على حالِه، فقلتُ: يا فاطمةُ، ألم ءامُرْكم أن تغسِلوا قميصَ أميرِ المؤمنين؟ فإن الناسَ يعودونَه، قالت: واللهِ ما له قميصٌ غيرُه.
ويُروى عنه رضي اللهُ عنه أنه قال: ألا إنَّ الدّنيا بقاؤها قليل، وغنيُّها فقير، فلا يَغُرَّنَّكُم إقبالُها معَ معرفتكم بسرعة إدبارها، والمغرورُ مَنِ اغترَّ بها، أينَ سُكّانُها الذينَ بَنَوا مدائنَها، وأقاموا فيها أياما يسيرةً، غرّتْهُم بصِحّتِهم، وغُرُّوا بنشاطِهِم، فرَكِبوا المعاصيَ، ما صنعَ الترابُ بأبدانهِم، والرملُ بأجسادهم، والديدانُ بعِظامهم وأوصالهم، كانوا في الدنيا على أسِرّةٍ ممهّدةٍ بينَ خَدَمٍ يَخدِمون، وأهلٍ يُكرِمون، وجيرانٍ يَعضِدون، فإذا مررتَ فنادِهِم إن كُنتَ مناديا، وسلْ غَنِيَّهُم ما بقي من غِناهُ، وسلْ فَقِيرَهم ما بقي مِنْ فَقْرِه، وسلهم عنِ الجلودِ الرّقيقةِ والوجوهِ الحسنةِ، فكم من ناعمٍ وناعمةٍ أصبحوا وَوُجوهُهم باليةٌ وأجسادُهم من أعناقِهم نائيةٌ، وأوصالُهم مُمَزَّقةٌ قد سالتِ الحِدَقُ على الوَجَناتِ، وامتلأتِ الأفواهُ دمًا وصديدا، ودبّت دوابُّ الأرضِ في أجسادِهم ففرَّقتْ أعضاءَهم، ثم لم يَلبَثوا واللهِ إلا يسيرا، حتى عادَتِ العِظامُ رميما.
إخوة الإيمان، إنَّ عمرَ بنَ عبدِ العزيزِ لما حضَرَتْهُ الوفاةُ ردَّدَ مرارا قولَ اللهِ تعالى [تِلْكَ الدَّارُ الآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ] .
أيها الأحبة، كم هو عظيمٌ أن نقتديَ بهؤلاء الرجالِ، وعند سماعِ سِيَرِهِم ومناقبهم نزدادُ ورعا وإقبالا على الآخرةِ، وإدبارا عن هذه الدنيا الزائلة، والله تعالى يقول : [وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى] اللهم زهّدنا في هذه الدنيا وأخرجنا منها وأنت راضٍ عنا إنك على كلِ شيء قدير .
هذا وأستغفر الله لي ولكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اذا كان لديك أي تعليق أو ملاحظات حول هذا الموضوع يرجى كتابته هنا ، مع الشكر