الثلاثاء، 16 مارس 2010

3 أزمات صحية في حياة مبارك

كتبه : عادل حمودة / صحيفة الفجر



في الساعة الثانية ظهر السبت الماضي توجه وزير الصناعة والتجارة رشيد محمد رشيد إلي مكتب وزير الإعلام أنس الفقي بمبني التليفزيون المصري، في هذا التوقيت تحديدا كانت إجراءات العملية الجراحية التي يجريها الرئيس مبارك لإزالة الحوصلة المرارية في مستشفي هايدلبرج بألمانيا تتم، ويبدو أن رشيد حاول أن يخفف من حدة قلقه وتوتره فاختار أن يكون إلي جوار وزير الإعلام، الذي حتما ستصب المعلومات الآتية من ألمانيا كلها عنده.
استقبل أنس الفقي رشيد محمد رشيد أمام باب مكتبه بالدور التاسع وطلب من مديري مكتبه عدم دخول أي شخص عليهما، وبالفعل لم يقطع جلسة رشيد وأنس الفقي إلا سعاة مكتب الوزير لتقديم أكواب الشاي وفناجين القهوة.

علي الفور فتح أنس الفقي خطا مفتوحا وساخنا مع وزير الصحة للاطمئنان علي أخبار الرئيس، كان الوزير حاتم الجبلي ينقل ما يجري لهما أولا بأول، إلا أن الاتصالات كانت تنقطع لأنه كان بالقرب من غرفة العمليات.

رفض أنس الفقي استقبال أي مكالمات من مكتب رئيس الاتحاد أسامة الشيخ، كما أجل اجتماعه بفريق برنامج "مصر النهارده"، الذي كان من المفروض أن يبدأ بثه في 9 مارس إلا أنه تأجل إلي 22 مارس، فلم يكن الوزير يعقد أي اجتماعات والرئيس في ألمانيا يجري عملية جراحية.

في السابعة مساء تحديدا وبعد أن انتهت العملية واطمأن الفقي ورشيد علي نجاحها تناول الوزيران الغداء في مكتب الفقي من مطعم شهير بفندق الفور سيزونز، وبعدها غادر رشيد المبني بعد أن ودعه الفقي عند باب خمسة، ليصعد وزير الإعلام مرة أخري إلي مكتبه، ويطلب من عبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار التحضير لبث وقائع المؤتمر الصحفي لوزير الصحة والفريق الطبي الذي أجري العملية الجراحية للرئيس.

لم تختلف حالة الوزيرين عن حالة الوزراء الآخرين ولاحالة المسئولين الكبار الذين كانوا يتابعون الجراحة التي تجري للرئيس بقلق بالغ، فقد سافر الرئيس طبقا لخبر بثته وكالة أنباء الشرق الأوسط إلي ألمانيا الخميس الماضي، من أجل إجراء بعض الفحوصات الطبية، التي اعتقد البعض أنها دورية ومعتادة، لكن فجأة تم الإعلان عن خبر إجراء عملية جراحية للرئيس لاستئصال الحوصلة المرارية، وكان طبيعيا أن يقلق كبار المسئولين علي صحة الرئيس، خاصة أنه اعتاد علي أن يخفي مثل هذه الأخبار حتي لا يزعج من حوله.

لكن يبدو أن الآلام هذه المرة لم تكن محتملة، كانت الدائرة الضيقة والمقربة من الرئيس مبارك هي التي تعرف أنه يعاني من آلام حادة بسبب المرارة، وأنه أجل زيارته الأخيرة إلي مجلس الشعب من يوم السبت إلي يوم الأربعاء لأن الآلام لم تمنحه فرصة أن يلتقي أعضاء البرلمان، وهو ما جعل السفر ملحا وضروريا.

طبقا للمعلومات التي أعلنها الفريق الطبي الذي أجري الجراحة للرئيس بقيادة الدكتور ماركوس بوشلر، فإن الفحوصات الطبية أكدت ضرورة إجراء العملية الجراحية، وأن التأخير فيها يمكن أن يسبب مشكلات لا داعي لها، وقد أعلن بوشلر أن العملية علي وجه التحديد كانت لاستئصال الحوصلة المرارية، وزائدة لحمية في الاثني عشر، إلا أن أطباء المستشفي نصحوا بإجرائها فوراً في هايدلبرج.

لقد كان اختيار مستشفي هايدلبرج دقيقا ومحددا، فرغم أنه كان من الممكن إجراء العملية الجراحية هنا في مصر.

إجراء مبارك للعملية في هذا المستشفي تحديدا، كشف عن ملامحه وإمكاناته، فهو يوفر خدمة علاجية لمواطنين من دول العالم المختلفة، ويبدو أن عددا كبيرا من الرؤساء والزعماء والمسئولين العرب والمسلمين يقصدونه، ولذلك فهو يوفر مترجما فوريا مع المريض لينقل له بأمانة حالته الصحية، كما أن به مسجداً وصفه المستشفي عبر موقعه علي الإنترنت بأنه متواضع وذلك من أجل المرضي المسلمين الكرام.

كان هناك اتفاق بين الفريق المرافق للرئيس، عائلته والسيد عمر سليمان مدير المخابرات، والدكتور زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية ووزير الصحة حاتم الجبلي، علي أن يتم التعامل مع مرض الرئيس وعمليته الجراحية إعلاميا بشفافية لا تمنح الفرصة لأحد أن يجتهد أو أن يفسر ما يجري علي هواه.

لقد رفض مرافقو الرئيس الحديث مع وسائل الإعلام بصفة فردية، وتركوا الأمر لوزير الصحة من خلال المؤتمرات الصحفية التي عقدت أكثر من مرة، وهي مؤتمرات كان الهدف منها متابعة أخبار الرئيس أولا بأول، وقد رفض زكريا عزمي أن يتحدث مع أكثر من برنامج، وعندما اتصل به معدو برنامج 48 ساعة الذي يقدمه سيد علي وهناء السمري علي قناة المحور، اعتذر معللا الأمر بأن هذا ليس من اختصاصه الآن، لكنه طلب من فريق البرنامج أن يطمئن المصريين علي صحة الرئيس دون مبالغة في الأمر.

لقد تسربت بعض الأخبار عن عودة جمال مبارك إلي القاهرة لمدة 24 ساعة فقط، أنهي فيها بعض الأعمال، وعاد مرة أخري إلي مستشفي هايدلبرج، لكن تبين أن الخبر لم يكن صحيحا، فلم يغادر جمال المستشفي، وتأكد ذلك من عدم حضور جمال اجتماع المجلس الأعلي للسياسات بالحزب الوطني.

الآن ورغم أن الرئيس مبارك بدأ يتعافي بالفعل ويستعيد لياقته الطبية، إلا أنه لم يتم الإعلان بعد عن موعد رجوعه إلي مصر، وهو الرجوع الذي يستعد له الحزب الوطني من الآن ليكون الآلاف في استقباله في المطار.

قبل إجراء العملية تم الإعلان عن أن الرئيس سيعود إلي القاهرة بعد 48 ساعة فقط، وهي مدة كافية للنقاهة حيث إن العملية لا تستدعي أن يظل أكثر من ذلك، بل إنه يمكن أن يكون قادرا بعد ذلك علي أن يقطع زمن الرحلة بالطائرة من ألمانيا إلي القاهرة دون أن تحدث مضاعفات، لكن بعد إجراء العملية تم تعديل بسيط وهو أن الرئيس يحتاج إلي فترة نقاهة ما بين 7 و12 يوما، وهو ما يعني أن موعد عودة الرئيس للقاهرة يمكن أن يكون منتصف الأسبوع القادم أو في آخره.

أغلب الظن أن الرئيس مبارك عرف من فريقه المعالج أن فترة النقاهة بعد إجراء العملية يمكن أن تطول، ولذلك سارع بتفويض الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء لمباشرة مهامه.

أما ما كان لافتاً فهو ما قام به اللاعب المصري محمد زيدان المحترف في ألمانيا، حيث قام بزيارة الرئيس مبارك في المستشفي وقدم له بوكيه ورد كبيراً، وقد قبل رأس الرئيس، وبعد أن خرج من الزيارة اتصل بعدد كبير من اللاعبين من زملائه ليطمئنهم علي الرئيس.


عندما توقفت الحياة في مصر خوفاً علي الرئيس
هذه الأزمة الصحية العابرة التي تعرض لها الرئيس مبارك لم تكن الأولي، ففي نوفمبر 2003 الذي وافق شهر رمضان وقتها، كان الرئيس مبارك يتحدث إلي أعضاء مجلس الشعب، وخلال الخطاب الذي كان يوجهه إليهم لاحظ النواب أن الرئيس مسح عرقه ثلاث مرات، لكن ما لم يلاحظه النواب أن الرئيس شعر بانخفاض في ضغط الدم وأحس أن الجو حار وفي الوقت نفسه شعر بأن التكييف بارد أكثر مما يجب، رغم أن التكييف في القاعة التي- شغلها أكثر من ألف شخص هم أعضاء مجلسي الشعب والشوري ومجلس الوزراء وكبار الشخصيات الحزبية والدينية والصحفيون ورجال الأمن وحراسة الرئيس الخاصة - كان أقل مما يجب.

كان الرئيس قد دخل إلي قاعة مجلس الشعب الساعة الثانية عشرة إلا خمس دقائق وبدأ كلمته بعد ربع الساعة تقريبا، واستمر الخطاب نحو 45 دقيقة، بعدها نظر الرئيس إلي رئيس مجلس الشعب الدكتور فتحي سرور وأسند كفيه علي منصة الخطاب الذي يلقيه في الدورة البرلمانية الجديدة وشعر بالدوار.

ثواني وكان الدكتور زكريا عزمي إلي جواره علي المنصة، قطع الرئيس خطابه وانتقل علي الفور محاطا بطاقم حراسته إلي غرفة مجاورة وترك أعضاء مجلس الشعب قلقين ومتوترين.

كان الرئيس مبارك قبل خطابه في مجلس الشعب بيوم واحد قد اجتمع مع الهيئة البرلمانية للحزب الوطني، وفي الاجتماع التقط فيروس البرد من أحد الأعضاء الذين أصروا علي أن يقبلوه احتفاء به، ويبدو أن الفيروس كان شرسا، حيث رفع درجة حرارة الرئيس إلي 39 درجة، وأدي إلي احتقان في الحلق ونزلة شعبية حادة فرضت عليه أن يتناول جرعات قوية من المضادات الحيوية، وهو ما أدي إلي تأجيل افتتاح الدورة البرلمانية من الأحد إلي الأربعاء، وصرح مسئول رسمي بذلك دون أن يشير إلي الحالة الصحية للرئيس التي كانت سبباً في التأجيل.

عندما عاد الرئيس مبارك إلي بيته في مصر الجديدة، وهو الأمر الذي لم يستغرق أكثر من 8 دقائق، قام فريق طبي بالكشف عليه، وطلب منه الراحة التامة لمدة 5 أيام علي الأقل، وألا يقوم بأي أعمال، وصرح وقتها نقيب الأطباء الدكتور حمدي السيد بأن قلب الرئيس مبارك سليم جدا وأحسن ما يكون بعد إجراء الفحوص الكاملة، وأن الوعكة الصحية التي ألمت بالرئيس كانت بسبب أنه لم يعط نفسه حقها من الراحة بعد إصابته بالإنفلونزا، وأصر علي الصيام رغم نصائح الأطباء.

العجيب أن الرئيس مبارك لم يفقد روحه المرحة وحبه للدعابة أثناء إجراء الكشف الطبي عليه، فقد سأله الدكتور حمدي السيد: لماذا لم تأخذ مصل الإنفلونزا يا سيادة الرئيس، فقال له:إحنا معرضين للإصابة.. وإنما إنتم الأطباء.. الإنفلونزا بتخاف منكم يا دكتور.

ألمانيا أول مرة...وجراحة العمود الفقري

لم تكن زيارة الرئيس مبارك العلاجية إلي ألمانيا الأسبوع الماضي هي الأولي، فقد سبقتها زيارة أخري في العام 2004، تحديدا بعد الوعكة الصحية التي ألمت به في مجلس الشعب بسبعة أشهر فقط.

كان الرئيس مبارك في زيارة إلي موسكو، وبعد أن عاد عاودته آلام مبرحة للغاية في الفقرات القطنية، كانت هذه الآلام قد ظهرت وهو يزور رومانيا، إلا أنه تحامل علي نفسه، وأكمل زيارته إلي موسكو، في اليوم الأخير لهذه الزيارة كان مقررا أن يلقي خطابا في جامعة موسكو للعلاقات الدولية، وهي الجامعة التي منحته درجة الدكتوراه الفخرية، لكن الألم اشتد عليه ومع ذلك ذهب إلي الجامعة.

كان من المفروض أن تكون مدة الخطاب 45 دقيقة لكن مساعديه نصحوه بأن يختصر الخطاب للنصف تقريبا، وتحامل الرئيس علي نفسه وألقي الخطاب، المفاجأة أن الرئيس تعرض لالتواء في ساقه أثناء نزوله من السيارة وهو في اليوم الأخير للزيارة، وهو ما ضاعف الآلام.

كان الرئيس مبارك يعاني من مشكلة الفقرات القطنية قبل هذه الأزمة بعامين كاملين، كان يعتقد أنه يمكن إزالة الألم من خلال المسكنات، لكن الآلام الحادة التي حدثت له في موسكو هي التي جلعته يفكر جديا في إجراء جراحة، وكان أطباؤه قد نصحوه بإجراء جراحة ميكروسكوبية صغيرة لتوسيع مجال العصب الحسي الذي يتعرض لضغط الفقرات القطنية خصوصا الفقرتين الرابعة والخامسة، ووافق الرئيس بالفعل علي إجراء الجراحة، اقترح البعض إجراءها في أمريكا، لكن استقر الرأي في النهاية علي إجرائها في ألمانيا.

حاول الرئيس أن يتعامل مع آلامه، بعد أن عاد من موسكو دخل في برنامج ريجيم أنقص به وزنه بعد أن منعته الآلام من ممارسة الرياضة، وكان كلما أراد أن يلعب الإسكواش لعبته المفضلة كان يلعب واقفا ويراوغ بالكرة بعض معاونيه وحراسه الذين اعتادوا أن يخرجوا معه في طابور الرياضة.

في ألمانيا اقترح الفريق الطبي في مركز علاج آلام الظهر في هارل شنجر، تأجيل الجراحة بعض الشيء وإعطاء فرصة للعلاج الطبي لبضعة أيام، حيث رأوا أن هناك احتمالا كبيرا في استجابة الرئيس للعلاج الطبي، وبالفعل أعلن الأطباء الألمان أن حالة الرئيس تسجل تحسناً ملحوظاً.

ورغم الاستجابة للعلاج الطبي إلا أن الرئيس مبارك خضع لعملية جراحية في 21 يونيه 2004، في هذا اليوم كانت غرفة العمليات جاهزة لإجراء العملية، نقل إليها الرئيس وتمت عملية التخدير، وأجريت جراحة إزالة الغضروف بنجاح، وبعد العملية نقل الرئيس مبارك إلي غرفة الإفاقة الملحقة بغرفة العمليات، وسارت الأمور طبيعية للغاية.

بعد العملية صرح البروفيسور ماير رئيس الفريق الطبي الذي أجري الجراحة للرئيس بأن الحالة الصحية للرئيس مبارك جيدة وأنه تمت إعادته في اليوم التالي للعملية إلي حجرته العادية حيث ترك الفراش وسار بضع خطوات.

مريض استثنائي يقاوم الألم ولا يستسلم

إن هناك ما يربط بين الأزمات الثلاث التي تعرض لها الرئيس مبارك خلال السنوات الأخيرة، وهي أنها يمكن اعتبارها أزمات عابرة، وفي الغالب تكون نتيجة إجهاد مبالغ فيه ومضاعف يبذله الرئيس مبارك، وهو ما حدث في الأزمة الأخيرة، فلم يلحظ أحد أن الرئيس مريض أو يعاني من آلام معينة، سار برنامجه كما هو دون تغيير أو تبديل، بل كان خبر سفره لإجراء فحوصات طبية ثم عملية جراحية بعد ذلك أمرا مفاجئا للجميع.

لقد تمتع الرئيس مبارك طوال حياته بحالة صحية جيدة، ولياقة صحية دائمة، وقد ساهم في ذلك أنه كان مداوماً علي ممارسة الرياضة، ويتبع نظاما صارما في طعامه ومواعيد نومه واستيقاظه، لقد تعود الرئيس مبارك أن يبدأ يومه مبكرا جدا، فهو عادة يكون جاهزا للعمل حوالي الساعة السابعة صباحا، ولا يحب الرئيس السهر إلا إذا كان هناك ما يستدعي ذلك.

ولذلك كان طبيعياً أن يتجاوز الرئيس مبارك تلك المشاكل الصحية التي جاءته في السنوات الأخيرة، وهو ما يحدث الآن، فقد تحسنت صحة الرئيس واستعاد لياقته الصحية، وبدأ في مغادرة فراشه لقضاء بعض الوقت بعيدا عنه، وبدأ في تناول بعض الأطعمة الخفيفة، بما يعني أنها أيام قليلة ويعود الرئيس إلي مصر. <

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اذا كان لديك أي تعليق أو ملاحظات حول هذا الموضوع يرجى كتابته هنا ، مع الشكر