الثلاثاء، 22 يونيو 2010

غشاش بدرجة امتياز




عارف إن الكلام فى موضوع الغش وإحنا فى وقت امتحانات ممكن يزعل ناس كتير والحكاية مش ناقصة وجع دماغ وفلسفة كدابة... ليه بقى؟ لأن الغش بقى زى شرب المياه حاجة عادية خالص لدرجة أن الطلبة بيقولوا إن عرفت تغش.. غش واللى يقول غير كده مش من البلد دى.الدليل إن كتير من الطلاب بيعصروا دماغهم فى الأسبوع الأخير قبل الامتحان لتحضير أدوات الغش ويبتكرون أساليب تكنولوجية عصرية لا يمكن للمراقب كشفها. احدثها الآن ساعات تحتوى على كومبيوتر صغير به ذاكرة يمكنها أن تخزن الدروس أو بالمحمول بإخفائه فى الملابس وتوصيله بسماعة بلوتوث صغيرة جداً توضع داخل الأذن، لا تُرى إلا عن قرب، وبتركيز شديد، يتصل الطالب بشخص ما، مدرسه الخصوصى، أو أى حد تانى، لتلقينه الإجابات بكل دقة وتحويل رنته إلى طريقة الاهتزازحتى لا تسمع.. أو تسجيل المعلومات على الـ •SMS الوسائل التقليدية برضة شغالة زى كتابة الدروس على أوراق وتصغيرها بآلات النسخ لتأخذ مساحة أقل وإخفاؤها فى أكمام القمصان أو بين أوراق الإجابة...الكتابة على الأيدى، السيقان، والمساطر البلاستيكية الشفافة التى لا تظهر الكتابة إلا إذا وضعت على الورق الأبيض بطريقة تشبه الحبر السرى.. كل يوم يبتكر الجديد. حد استرعى انتباهه خبر الصيدلانية اللى ظبطوها تغشش زوجها بالمحمول، حكاية عجيبة تعكس الخلل اللى أصاب المجتمع.. ليه بقى؟، لأن الغشاش يعمل فى ساحة العدالة ودورة حفظ المجتمع والمواطنين من الغشاشين، والمادة اللى كان بيغش فيها .. مادة الشريعة الإسلامية. النتيجة إن الغش بقى حكاية معروفة مش بس فى الامتحانات، ولكنها انتشرت وتفشت فى معظم معاملاتنا وأمورنا الحياتية مما يهدد الجميع .السبب أن الطالب الغشاش يتحول إلى شخصية تعشق الكسل وتستسهل الغش ويسرى فى دمه، ويشل تفكيره ويتعلم الغش بكل تفاصيله ويتفنن فى اكتشاف وسائل جديدة، مما يكسبه مهارات تتراكم معه مع الزمن حتى إذا كبر يخدع الناس ويسطو على حقوقهم ليه بقى؟ لأن التجربة الأولى هى البذرة لكل أنواع الغش فى أى مجتمع ومن شب على شىء شاب عليه، المشكلة أن بعض أولياء الأمور والمدرسين يشجعونها ويعتبروها شقاوة عيال، ده بقى جزء من الخلل اللى أفسد الضمير العام فأصبح لا يستنكر بعض الظواهر الاجتماعية مثل الرشوة أو سرقة جهود الآخرين، وإذا عرف السبب بطل العجب.. .طب إيه السبب ؟ بيقولو إن السبب هبوط المستوى التربوى والتعليمى، كمان عدم الثقة فى النفس، والخوف من الفشل أو الرسوب فى الامتحان . المشكلة إن المجتمع اللى بينتشر فيه الغش بتضيع فيه قيم العدالة والصدق واحترام العمل الجاد، ومع تزايد أعداد الغشّاشين فى مواقع مختلفة نجد أن المجتمع يصبح مخترقا ومهلهلا وقائما على أخلاق نفعية انتهازية غير أخلاقية فما الحل؟. هل نبقى أوفياء للطريقة التى يجرى بها الامتحان حاليا التى تجاوزها الطلبة،. لماذا نفرض على التلميذ برامج قديمة لا تراعى اهتماماته؟ نعامل التلميذ زى الفأر فى معمل التجارب وندخله فى متاهة. النتيجة خلق أجيال تقلّد جيّدا ولا تبادر ولا تشارك منتظرة الفرج من أى حد.. دائمة الشكوى من كل حاجة من البيت والناس والمجتمع وطبعا من الحكومة. السبب أنهم غير قادرين على التفكير بشكل مستقل لأنهم أصلا محدش علمهم ازاى يفكروا ..طول الوقت بيقولوا إنهم مش غلطانيين لكن الآخر هو السبب فى كل البلاوى اللى واقعين فيها.

الدليل إننا نرى الآلاف من الخريجين منتظرين حد يساعدهم فى التوظف أو السفر للعمل فى الخارج فى أى شغلة يرددون "بضاعتكم ردّت إليكم " و لهم ألف حق فهى بضاعتنا فرضناها عليهم فكم منهم يخترع أو يقدم فكرة أو مشروعا يخدم المجتمع. الحل مساعدة التلميذ على التعلم بنفسه فى عالم الإنترنت وعالم الموسوعات وخلق روح المبادرة والاستقلالية واعتبار التلميذ عقلا مستقلا يفكّر وينتج وله وجهة نظر محترمة وليس إناء فارغا نملأه بما نريد...

أحكيلكم ما شاهدته مش بس فى أمريكا وأوروبا، ولكن فى الهند عندما كنت فى منحة دراسية فى التسعينات عملوا إيه علشان يتغيروا ويتقدموا؟. خلوا الطلبة فى إعدادى وثانوى يفكروا إزاى يخدموا مجتمعهم ويقدّمون مشروعهم مش بشكل فردى، وإنما فى شكل جماعى مع بعضهم مستعملين الوسائل الحديثة ويتبادلون الكلمة ويشرحون تجاربهم بيشتغل التلامذة على المشروع عاما كاملا مع بعضهم تبادلوا المعلومات واستشاروا أهل العلم وقاموا بالتجارب وحدهم فى المعمل ووظفوا المعلومات فى حلّ مشكل واقعى سواء فى المواصلات أو النظافة أو خدمة البيئة أو فى العلوم مثلا. يعنى يعدّون أنفسهم بأنفسهم للبحث العلمى والعمل مع الآخرين. فلماذا لا نخدم أنفسنا وأبناءنا وننسف فكرة الامتحان بشكل الحالى ونشركهم فى نظافة وتطوير المجتمعهم . البعض حيقول عايز تشغل الطلبة فى تنظيف المدرسة وما حولها. أقولهم أيوه وإيه فايدة التعليم مع الزبالة والأمراض وليه لا نشرك التلامذة فى خدمة الحى أو القرية اللى هو فيها ونضمن مشاركته لما يكبر بشرط ما يكونش هناك خيار وفاقوس، الحكاية وما فيها إن للغش حلول علمية يتغافل عنها الجميع، لكن عندما لا تطبق الحلول العلمية ونكتفى بالعقاب يصبح الطالب ضحية بعد ما كان مسئولا.

* نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اذا كان لديك أي تعليق أو ملاحظات حول هذا الموضوع يرجى كتابته هنا ، مع الشكر