زكريا عليه السلام وهب الله له يحيي بعد أن تقدمت به السن
»وزكريا إذ نادي ربه لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين. فاستجبنا له ووهبنا له يحيي وأصلحنا له زوجه إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا خاشعين« (الأنبياء: ٩٨-٠٩)
زكريا عليه السلام
> وهب الله له يحيي بعد أن تقدمت به السن
> كفل مريم ابنة عمران
حين تقرأ القرآن الكريم وهو يقص علينا أنباء الرسل والأنبياء بأسلوبه المعجز، سوف نعرف أن الله سبحانه وتعالي رزق زكريا بابنه يحيي بعد أن تقدمت به العمر، وزكريا هو الذي كفل مريم ابنة عمران أم المسيح عليه السلام.
إن الأيام تمضي.. وتتوالي السنوات.. وينسي الناس رحيق السماء، ويصبحون في حاجة إلي من يذكرهم بما جاء به الأنبياء والمرسلون من شرائع وعقائد، فيأتي نبي جديد يعيد للناس حقيقة الإيمان بالله الواحد، وما ينبغي أن يكون عليه سلوك الإنسان تجاه ربه والناس.
وجاء زكريا عليه السلام..
وكان اليهود يتلهفون علي ظهور المسيح الذي يمسح عنهم أحزانهم ومعاناتهم، بعد تمزق ملكهم بعد سليمان عليه السلام، وبعد أن ذاقوا ويلات القهر والنفي علي يد »بختنصر« ملك بابل الذي قهرهم وأخذهم أسري في بابل، وعرفوا الذل علي يد البابليين كما أن بعضهم عاد إلي فلسطين والبعض الآخر ذهب إلي أماكن أخري من العالم بعد أن انتصر المقدونيون، ودخلوا بابل وأعطوهم حرية الانتقال.
وعرف الشعب اليهودي القهر علي يد المستعمرين الذين احتلوا فلسطين، وقد أعادهم الملك »كورش« ملك الفرس إلي بلادهم، وبعد أن سيطر الرومان علي هذه البلاد.. ذاقوا من جديد ويلات القهر والاضطهاد، وكانوا يرنون ببصرهم إلي الغد الذي يأتي فيه المنقذ الذي ينقذهم من معاناتهم وآلامهم.
>>>
وفي هذه الفترة المهمة من التاريخ ظهرت شخصيات مهمة غيّرت من مسار الحياة.. ظهرت شخصية زكريا عليه السلام، وابنه يحيي (يوحنا المعمدان) ومريم ابنة عمران، وابنها عيسي عليه السلام.
>>>
كان زكريا عليه السلام قد ولد في مدينة بيت لحم بفلسطين، وعاش بعد ذلك في مدينة أورشليم.. وكان عابداً مخلصاً لله، نذر حياته للعبادة، حتي أرسل نبياً ورسولاً لبني إسرائيل، وينتهي نسبه عليه السلام إلي سليمان بن داود.
>>>
وقد ذكر زكريا عليه السلام ثماني مرات في القرآن الكريم.
ونعرف من خلال قراءتنا لسيرة هذا النبي الكريم، أنه هو الذي كفل مريم ابنة عمران، فقد كان زكريا زوجاً لخالة مريم.
وكانت أم مريم قد وهبتها لعبادة ربها عندما حملت بها.
»وإذا قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم«.
»فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثي والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثي وأني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم«.
»فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا«.
وتمضي الأيام..
وتأتي امرأة عمران ومعها ابنتها »مريم« وتطلب من زكريا عليه السلام أن تكون ابنتها مريم في خدمة الهيكل، ويومها أراد كل واحد من الذين تطوعوا لخدمة الهيكل أن يكفل مريم وعندما أجروا القرعة، كانت مريم من نصيب زكريا.
» إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم«.
وكان زكريا كلما دخل المحراب، وجد عند مريم رزقاً كثيراً، وعندما كان يسألها من أين لك هذا الرزق، كانت تقول له:
- هو من عند الله.
وكما جاء في القرآن الكريم: »كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أني لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب«.
وتفسير ذلك كما يحدثنا الدكتور محمد سيد طنطاوي وهو يشرح معني هذه الآية: »بيان لكفالة الله تعالي لرزقها، ولرضاه عنها، ولرعايته لها.
ولفظ المحراب يطلق علي المكان العالي الشريف، والمراد به هنا: الحجرة التي كانت تتخذها مريم مكاناً لعبادتها في بيت المقدس.
والمعني: وكان زكريا (عليه السلام) كلما دخل علي مريم وجد عندها رزقا واسعا، وطعاماً هنيئاً فيقول لها:
- يا مريم من أين لك هذا الرزق العظيم الطيب؟
فتجيبه بقولها:
هو رزق من عند الله تعالي وحده.. إن الله بفضله وإحسانه يرزق من يشاء من خلقه دون أن يحاسبه أي محاسب.
وهكذا يسوق القرآن الكريم عن مريم وأمها ما يدل علي كمال قدرته وحكمته، وما يشهد بأن الإيمان بقدرة الله ووحدانيته يهدي القلوب إلي كل خير، وبأنه- سبحانه- يقبل دعاء الصالحين ويرزقهم بغير حساب.
>>>
وما شاهده زكريا عليه السلام من أمر مريم ابنة عمران، جعل زكريا يتجه إلي ربه بكل كيانه أن يرزقه الولد، فقد دعا ربه قائلاً: »قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك ربي شقيا وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا«.
واستجاب له ربه:
»فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيي مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين«.
وارتسمت الدهشة علي وجه زكريا، فقال: »قال رب أنّي يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر«.
»قال كذلك الله يفعل ما يشاء«.
»قال رب اجعلني آية«.
»قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار«.
>>>
وهكذا رزقه الله سبحانه وتعالي بابنه يحيي »يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيي لم نجعل له من قبل سميا«.
ويقول الإمام ابن كثير وهو يتحدث عن قوله تعالي: »وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا«.. هذه الأوقات الثلاثة أشد ما تكون علي الإنسان، فإنه ينتقل من عالم إلي عالم آخر، فيفقد الأول بعد ما كان ألفه وعرفه ويصير إلي الآخر ولا يدري ما بين يديه.. ولهذا يستهل صارخاً إذا خرج من بين الأحشاء وفارق لينها، وينتقل إلي هذه الدار ليكابد همومها وغمها!
وكذلك إذا فارق هذه الدار وانتقل إلي عالم البرزخ بينها وبين دار القرار، وصار بعد الدور والقصور إلي عرضة الأموات مكان القبور، وانتظر هناك النفخة في الصور ليوم البعث والنشور.. فمن مسرور ومحبور ومحزون ومثبور، وما بين جبير وكسير، وفريق في الجنة وفريق في السعير.
وقد أحس بعض الشعراء حيث يقول:
ولدتك أمك باكيا مستصرخا
والناس حولك يضحكون سرورا
فاحرص لنفسك أن تكون إذا بكوا
في يوم موتك ضاحكا مسرورا
ولما كانت هذه المواطن الثلاثة أشق ما يكون علي ابن آدم سلم الله علي يحيي في كل موطن منها فقال »وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا«.
>>>
ويقول المؤرخون الذين تحدثوا عن زكريا وابنه يحيي عليه السلام، ان زكريا انتهت حياته بالقتل في نفس الوقت الذي قتل فيه يحيي عليه السلام.. فقد قتل زكريا بين الهيكل والمذبح.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اذا كان لديك أي تعليق أو ملاحظات حول هذا الموضوع يرجى كتابته هنا ، مع الشكر