الثلاثاء، 6 يوليو 2010

هل موت مدرس.. خبر عادى

ليس كل الموت موتًا. هناك موت يؤلم أكثر من غيره، لا بسبب درجة القرب أو الأهمية، ولا بسبب نوع الميتة التي ماتها الميت، بل بسبب نوع الحياة التي عاشها قبل أن يموت.
ولا أظن أن موتًا يستحق الألم في الأيام الماضية، بقدر ما يستحقه موت ستة مدرسين من مراقبي الثانوية العامة تباعًا في محافظات مختلفة. هم أيضًا ضحايا تعذيب، لكن عذابهم ليس ساعة ضرب أو تهشيم فك على يد مخبر أو أمين شرطة أو ضابط، وليسوا ضحايا تعذيب أسابيع من الإقامة المتقشفة في محافظة أخرى، بل تعذيب العمر الذي أفضى إلى الموت.

الأمر ليس في بساطة اتهام الوزير أحمد زكى بدر بقتلهم بسبب التعنت في التكليف بالمراقبة مثلما كتب البعض أو مثلما اتهمه بعض المعلمين المطالبين باستقالته، كما أن إلقاء المسؤولية بكاملها على التأمين الصحي لتأخره في إسعاف أحدهم هو نوع من التبسيط المخل، لوقائع موت معلنة تمثل عارًا حقيقيًا، لكل من وصلته أخبار الموت، فما البال إن كان مسئولا؟!

التعنت لا يجوز عندما يتعلق الأمر بالمرضى، والموت بسبب الإهمال الطبي نعرفه ويجب أن يلقى الحساب أيضًا، لكن المؤلم أن موت المدرسين له علاقة بحياتهم. والعار يجلل كل من يعرفون ماذا يأكل المدرس في يومه قبل أن يموت، ولم يفعلوا شيئًا.
حوادث الموت الست متشابهة، كلها أزمات قلبية، وهبوط حاد في الدورة الدموية وضربات شمس. أي كلها سوء تغذية ونقص سوائل في الدم.
قد يتهمني أحد بالتنطع للإفتاء في الطب بغير علم، وأنا على استعداد للتنازل عن هذا التشخيص بشرط أن يتم الكشف على عينات من المدرسين الذين لم يموتوا بعد، بل الكشف على كل مصري ليس لصًا أو رجل أعمال أو مسافرًا جلب أمواله من الخارج!
سوء التغذية الذي أزعمه لدى الشرفاء الراحلين ليس وليد أسبوعين من المراقبة، ونقص السوائل نتيجة للفقر الذي وصل إليه المعلمون، حتى لم يعد بوسع الواحد منهم أن يكفى حاجة جسمه من الماء أثناء غربته.
كنت أتمنى لو أجرت الصحف التي نشرت أخبار الوفاة والاتهامات حولها تحقيقًا صحفيًا بسيطًا مع المدرسين لنعرف كم يحمل معلم الجيزة في جيبه عند سفره إلى سوهاج وكم حمل مدرس المنوفية قبل أن يموت في القليوبية؟
كم يستطيع المدرس الذي ترك خلفه ذرية ضعافًا أن يقتطع من خمسمائة جنيه، كم يترك لهم وكم يحمل وماذا يأكل ويشرب في غربته؟
والمعلمون بشر، وفقوا أوضاعهم من خلال الدروس الخصوصية، لكن تتبقى نسبة من الاستشهاد يين الذين يشفقون على أمثالهم من الفقراء فلم يوغلوا في هذه اللعبة، ونسبة من مدرسي المواد غير الأساسية، يعانون الفقر القاتل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اذا كان لديك أي تعليق أو ملاحظات حول هذا الموضوع يرجى كتابته هنا ، مع الشكر