الجمعة، 24 سبتمبر 2010

دراسة أكاديمية تؤكد أن التعليم المصرى ليس مجانيًا على الإطلاق

دراسة أكاديمية تؤكد أن التعليم المصرى ليس مجانيًا على الإطلاق.. وضعف العملية التعليمة أنتج نوعين من الدراسة الأضعف للفقراء والأفضل للقلة القادرة.. والشعب يدفع فاتورة الأثنتين.


جامعة القاهرة

"التعليم المصرى ليس مجانيًا على الإطلاق" حقيقة يؤكدها الدكتور سامى محمد نصار، أستاذ أصول التربية وعميد معهد الدراسات التربوية بجامعة القاهرة، فى دراسته "التعليم الخاص وبنية النظام التعليمى بمصر".

يقول نصار فى دراسته التعليم سواء فى المؤسسات التعليمية الحكومية التى يفترض أن تكون مجانية أو فى مؤسسات التعليم الخاص ليست مجانية على الإطلاق، ويتحمل الشعب فاتورة تعليمه.

فمع بداية عصر الانفتاح الاقتصادى شهد المجتمع المصرى ظهور طبقات جديدة لها تطلعاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، كما شهد المجتمع المصرى بروز التيارات الدينية بمختلف أطيافها وطوائفها.

عقب ذلك ومع تطبيق سياسية الخصخصة اتجهت الدولة إلى تقليص دورها فى مجال تقديم الخدمات الأساسية للتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، مما أفسح المجال للقطاع الخاص للدخول إلى ميدان التعليم باعتباره نوعًا من أنواع الاستثمارات ذات العائد المرتفع، فانتشرت المدارس الخاصة المملوكة للأفراد، والجمعيات، بل دخلت الدولة أيضا كطرف فى هذه العملية فأنشأت المدارس التجريبية لغات فى التعليم قبل الجامعى، مع الحفاظ على المبدأ الدستورى ألا وهو "مجانية التعليم".

أضاف ومع التغييرات الاقتصادية أصبح لدينا نوعان من التعليم يدفع المواطنون تكلفتهما: الأول تعليم عام حكومى مجانى اسمًا لعامة الشعب ضعيف المستوى، فقير الإمكانات، هزيل العائد أو المردود يتحمل فيه المواطنون ضعف ما تدفعه الدولة.


الثانى: تعليم خاص متميز، متعدد المستويات، متنوع اللغات والانتماءات قاصر على أبناء الطبقات الميسورة والفنية يتحمل تكلفته المستفيدون منه.

ويدلل نصار على حديثه قائلا: "أنفقت الدولة على التعليم فى عام ٢٠٠٥ حوالى ٢٨ مليار جنيه، أما الإنفاق العائلى على التعليم فقط بلغ ٥٤ مليار جنيه فى عام ٢٠٠٥، أى ضعف ما أنفقته الدولة، وهو ما يظهر كيف أن الإنفاق الشعبى يمثل ضعف الإنفاق الحكومى، وأن المواطنين يدفعون المليارات محاولين تعويض جوانب القصور فى الإنفاق الحكومى الهزيل، سواء فى الدروس الخصوصية أو الكتب الخارجية، مع علمهم بضعف العائد من التعليم الحكومى، وضعف مردوداته على أبنائهم معرفيا ووجدانيا واجتماعيا.

ففى ظل ارتفاع معدلات الفقر، وفى ظل عدم وجود مشروع قومى عام ورؤية واضحة لتطوير التعليم تدعمها فلسفة اجتماعية تقوم على المساواة وتكافؤ الفرص، فإن الخطر القادم يتمثل فى أننا سوف نجد البنية التعليمية، وقد انشطرت إلى قسمين رئيسين: الأول تعليم للفقراء من أبناء الشعب يتوقف بهم عند الحدود الدنيا من التعليم الأساسى والفنى، وهو تعليم فقير فى إمكاناته، وموارده، شحيح فى تخصصاته، هذيل فى نتائجه.

أما الثانى فهو تعليم للقلة قاصر على أبناء القادرين ماديا، متنوع فى مؤسساته، غنى فى موارده، منفتح على الثقافات الأخرى ومرتبط بها، يفتح لخريجيه أبواب سوق العمل بما قُدم لهم من مستويات عالية من التعليم والتدريب، وهو شعور يعززه خطط الدولة وسباقها مع القطاع الخاص من خلال مشروعاتها للمدارس المتميزة، والمدارس التى لها صفة الأهلية، والمرتبطة بهيئات أجنبية لتدريس مناهجها، فضلاً عن إنشاء البرامج المتميزة بالجامعات، وهى برامج ومشروعات تؤكد فى الوقت نفسه انحيازها الاجتماعى، واصطفافها إلى جانب الفريق الأقوى فى الصراع.

ويعترف نصار بأن التعليم الخاص فى مصر أسبق وجوداً من التعليم الرسمى الحكومى، وإذا كانت المكاتب أو الكتاتيب الخاصة والأهلية منتشرة فى مصر منذ الفتح العربى، إلا أن محمد على استعان بالأجانب لبناء دولته الحديثة، وكانت مدارس الإرساليات الأجنبية هى البداية الحقيقية للتعليم الخاص فى مصر.

وكان التعليم الخاص بشقيه الأجنبى والمصرى بعيداً عن سيطرة الدولة وإشرافها المباشر حتى عام ١٩٥٢، وخلال فترة الستينات تم التوسع فى التعليم الحكومى المجانى بجميع مراحله، وتراجع التعليم الخاص، وانحصر فى حدود ضيقة، حتى بدايات السبعينات، وتطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى، والسوق الحر، وظهور طبقات جديدة من الرأسماليين الجدد بدأ الانتعاش يعود إلى التعليم الخاص لتعليم أبناء هذه الطبقات تعليما متميزا ومميزا عن التعليم الحكومى الرسمى المجانى، وارتفع عدد المدارس الخاصة من 200 مدرسة عام 1977 إلى 3921 مدرسة عام 2001.

ويشير نصار إلى أن التعليم الخاص الذى يقدم إلى حد كبير تعليما متميزا عن التعليم فى المدارس الحكومية يعد انتهاكا للإطار الدستورى والقانونى الذى يؤكد على مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، واعتبار التعليم حقا أساسيا، وعلى الدولة أن تكفله وتضمنه لكل طفل بلغ السادسة من عمره.

وبالتالى فإن حل مشكلات قصور التمويل بالتوسع فى التعليم الخاص سياسة تدعم المزيد من الانتهاك لهذا الحق، فرغم تغيير نمط الإدارة الاقتصادية للمجتمع المصرى والاعتماد بشكل أساسى على مبادرات وقيادة القطاع الخاص، إلا أنه يجب أن تظل العديد من الخدمات وفى مقدمتها التعليم، والخدمات التى تشكل قاعدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية، ويجب أن يظل للدولة الدور الأساسى فى تمويلها وتوفيرها للجميع بصفتهم من دافعى الضرائب، والتى تحتاج إلى تطوير حقيقى حتى تصبح نظاما عادلا فى توزيع الأعباء على الفئات الاجتماعية المختلفة، ومصدراً هاما لتوفير مزيد من الموارد لحل مشكلة تمويل التعليم.

وتنتهى الدراسة إلى أن دخول القطاع الخاص المصرى والأجنبى إلى مجال الاستثمار فى التعليم ضيق الفرص أمام أبناء الشعب للحصول على حقهم فى التعليم، وكيف أن التعليم أصبح مؤهلاً لأن يلعب دورا فى تمزيق النسيج الاجتماعى وتشويه الهوية الثقافية بما يقوم عليه من تمييز فى الالتحاق، ومن تعدد فى الأنواع والمناهج ومن ارتباط بجماعات الضغط والمصالح.

مؤكدة أن بنية تعليمية مشوهة، متعددة المكونات متناقضة التوجهات، متضاربة المصالح، سوف تنتج مجتمعا ممزق الأواصر، مشوه الهوية، واهن التكوين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اذا كان لديك أي تعليق أو ملاحظات حول هذا الموضوع يرجى كتابته هنا ، مع الشكر