الخميس، 18 فبراير 2010

لماذا ذكر الغراب في القرآن ؟ ( قسم : اسلاميات )

لماذا ذكر الغراب في القرآن? د.زغلول النجار ؟ 

الغراب هو أذكي الطيور وأمكرها على الإطلاق‏ ,‏ ولا يدانيه في الذكاء والمكر إلا بعض الببغاوات‏
من أقوال المفسرين:
في تفسير قوله تعالى :‏" فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ " (المائدة31)‏ .
‏‏ ذكر ابن كثير‏ (رحمه الله‏)‏ ما مختصره‏ قال السدي‏ لما مات الغلام تركه بالعراء ولا يعلم كيف يدفن‏ ,‏ فبعث الله غرابين أخوين‏ ,‏ فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه‏ ,‏ فحفر له‏ ,‏ ثم حثي عليه‏ ,‏ فلما رآه قال " يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي "‏ (المائدة31)‏ , وقال ابن عباس‏ جاء غراب إلى غراب ميت فحث عليه من التراب حتى واراه‏ .‏
وجاء في بقية التفاسير كلام مشابه إلا أن مستشاري أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم أضافوا في الهامش ما نصه‏ تشير هذه الآية إلى أول دفن في الإنسانية‏ ,‏ وكيف أن الدفن في التراب كان وحيا من الله سبحانه وتعالى عن طريق عمل الغراب وحكمة ذلك إرشاد الإنسان إلى أن الدفن يمنع انتشار الأمراض‏ ,‏ بجانب ذلك فإنه إكرام للميت‏ .‏
وقصة ابني آدم جاءت الإشارة إليها باقتضاب شديد في الإصحاح الرابع من سفر التكوين‏ ,‏ وإن تبدل اسم قابيل إلى قاين‏ (CAIN)‏ وبقي اسم هابيل على حاله‏ ,‏ ولكن حرف في الترجمة الانجليزية إلى أبل‏ (ABEL) ,‏ وجاءت القصة مقتضبة اقتضابا شديدا‏ ,‏ ومليئة بأسماء عديدة ولكنها لم تشر إلى قصة الغراب أو إلى عملية دفن قابيل جثة أخيه هابيل‏ ,‏ وحرصت فقط على رص أسماء الأبناء والزوجات‏ ,‏ والأحفاد وأحفاد الأحفاد‏ ,‏ ففقدت الهدف من ذكرها‏ ,‏ والرمزية إلى الدروس المستفادة منها‏ ,‏ ومن أبرزها طبيعة الصراع بين الخير والشر في هذه الحياة‏ .‏
.‏من الدلالات العلمية للنص الكريم :
من الدلالات العلمية المستوحاة من هذا النص القرآني الكريم أن الغراب طائر شديد الذكاء‏ ,‏ ومن أوضح الأدلة على ذلك أنه يدفن موتاه‏ ,‏ ولا يتركها نهبا للجوارح من الطيور ولغيرها من الحيوانات المفترسة أو للتعفن والتحلل في الجو صونا لكرامة الميت وترفقا بالبيئة والأحياء فيها‏ .‏ وقد ثبت أن الغراب يقوم بحفر الأرض بواسطة كل من مخالبه ومنقاره ليكون حفرة عميقة فيها ثم يقوم بطي جناحي الغراب الميت وضمهما إلى جنبيه‏ ,‏ ورفعه برفق لوضعه في قبره ثم يهيل عليه التراب حتى يخفي جسد الميت تماما كما يفعل المسلمون بموتاهم احتراما لهذا الجسد حيا وميتا‏ .‏
والغراب‏ (CROW)‏ طائر أسود اللون‏ ,‏ خشن الصوت‏ ,‏ يأكل الخضراوات واللحوم وإن كان ميله لأكل اللحوم أكبر‏ ,‏ ويعرف العلماء اليوم من أنواع الغراب أكثر من خمسة وثلاثين نوعا تنتشر في مختلف بيئات الأرض‏ ,‏ وهو يتبع جنس‏ (CORVUS)‏ وعائلة‏ (CORVIDAE)‏ وللغربان قدرة فريدة على صناعة الأدوات الحجرية لاستخدامها في الحفر والتنقيب على الحشرات في شقوق الأرض لافتراسها والتغذي عليها‏ ,‏ ولاستخدامها أيضا في حفر قبور موتاه ‏ .‏
وقد ثبت علميا بالدراسة والملاحظة أن الغراب هو أذكي الطيور وأمكرها على الإطلاق‏ ,‏ ولا يدانيه في الذكاء والمكر إلا بعض الببغاوات‏ ,‏ ويعلل ذلك بأن الغراب يملك أكبر حجم لنصفي المخ بالنسبة إلى حجم الجسم في كل الطيور المعروفة‏ ,‏ التي يقدر عدد أنواعها بأكثر من عشرة آلاف نوع‏ ,‏ وأفرادها بعشرات البلايين‏ .‏ ولذلك تظهر علامات الذكاء المتميز على الغراب من مثل المعرفة‏ ,‏ الإدراك‏ ,‏ الذاكرة‏ ,‏ القدرة على الاتصال‏ ,‏ التحايل على حل المشكلات‏ ,‏ بناء مجتمعات دقيقة التنظيم‏ ,‏ القيام بالعديد من الأعمال الجماعية من مثل الصيد الجماعي‏ ,‏ والدفاع الجماعي‏ ,‏ والرعاية الجماعية للصغار‏ ,‏ واللعب الجماعي‏ ,‏ والبناء الجماعي للأعشاش‏ ,‏ والمحاكاة والفضول وحب الاستطلاع‏ ,‏ وشدة اليقظة والانتباه‏ ,‏ وقوة الملاحظة والقدرة على الإدراك‏ ,‏ وعلى التحايل في اختطاف الطعام وفي طرائق إخفائه‏ ,‏ وعلى التمييز في التعامل بين القريب والغريب ‏ .‏ فقد شوهدت الغربان وهي تلقي على الطرق العامة ما لم تستطع فتحه من الثمار والأصداف الصلدة مثل جوز الهند‏ ,‏ وأصداف بلح البحر‏ ,‏ وبعض الحيوانات الكبيرة الحجم مثل السنجاب كي تقوم السيارات المارة بدهسها وإعدادها لقمة سائغة لها‏ ,‏ كما شوهدت الغربان وهي تقلد الصيادين في عمليات صيد السمك بمهارة فائقة‏ ,‏ وفي ترطيب الطعام الجاف بالماء ‏.‏
وللغربان محاكم تلتزم قوانين العدالة الفطرية‏ ,‏ تحاكم الجماعة فيها أي فرد يخرج على نظامها من مثل محاولات التعدي على حرمات غراب آخر من أنثى أو فراخ أو عش أو طعام‏ ,‏ ولكل جريمة عند جماعة الغربان عقوبتها الخاصة بها‏ ,‏ ففي حالة اغتصاب طعام الفراخ الصغار تقوم جماعة الغربان بنتف ريش الغراب المعتدي حتى يصبح عاجزا عن الطيران كالفراخ الصغار قبل اكتمال نمو ريشها‏ ,‏ وفي حالة اغتصاب العش وتهدمه في مراحل الدفاع عنه تكتفي محكمة الغربان بإلزام المعتدي ببناء عش جديد لصاحب العش المعتدَى عليه‏ ,‏ وقد يتبع ذلك الطرد من الجماعة إذا تكررت الأخطاء من هذا النوع‏ ,‏ وفي حالة اغتصاب أنثي غراب آخر فإن جماعة الغربان تقضي بقتل المعتدي ضربا بمناقيرها حتى الموت .‏
وتنعقد محاكم الغربان عادة في حقل من الحقول الزراعية أو في أرض فضاء واسعة‏ ,‏ تتجمع فيه هيئة المحكمة في الوقت المحدد‏ ,‏ وينحي الغراب المتهم تحت حراسة مشددة‏ ,‏ وتبدأ محاكمته فينكس رأسه‏ ,‏ ويخفض جناحيه‏ ,‏ ويمسك عن النعيق اعترافا بذنبه .‏
فإذا صدر الحكم بالإعدام وثبت جماعة الغربان على المذنب توسعه تمزيقا بمناقيرها الحادة حتى الموت‏ ,‏ وحينئذ يحمله أحد الغربان بمنقاره ليحفر له قبرا يتواءم مع حجم جسده‏ ,‏ يضع فيه جسد الغراب القتيل ثم يهيل عليه التراب احتراما لحرمة الموت .‏
وهكذا تقيم الغربان العدل الإلهي في الأرض أفضل مما يقيمه كثير من بني الإنسان‏ ,‏ فالعدل في الغربان من الأمور الغريزية الفطرية لأنها لا تشرع لنفسها‏ ,‏ ولكنها تتحرك بفطرتها المسلمة بأن الحاكمية لله وحده ومن أهم بنودها التشريع‏ ,‏ فالمشرع هو الله سبحانه وتعالى الذي شرع لكل الخلائق وغرس شريعته في جبلة كل مخلوق غير مكلف حتى أصبح العدل الإلهي جزءا لا يتجزأ من تكوينهم وفطرتهم‏ ,‏ أما الإنسان‏ ,‏ ذلك المخلوق المكلف فيحاول التشريع من عنده بعلمه المحدود‏ ,‏ وقدراته المحدودة حتى نسي العدل الإلهي‏ ,‏ وأراد إقامة عدل نسبي من عنده فظلم نفسه وظلم غيره

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اذا كان لديك أي تعليق أو ملاحظات حول هذا الموضوع يرجى كتابته هنا ، مع الشكر