الأربعاء، 17 فبراير 2010

هل الإحتفال بالمولد بدعة ضلالة ؟ ( قسم : اسلاميات )

الحمد لله الذي أنار قلوب عباده المؤمنين المحبين بأشعة أنوار القرآن الكريم والنور المبين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فاتح خزائن الإمكان بمفاتح الكرم والإمتنان وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمد رسول الله والذي إصطفاه وجعله رحمة للعالمين ، با عثاً له بالحق المبين والصراط المستقيم صلوات الله وسلامه ورضوانه عليه وعلى آل بيته الطيبين الأطهار وصحابته المقربين الأبرار والتابعين الأخيار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . وبــــــعـــــــد

ليس كل ما حدث بعد زمن الصحابة بدعة ضلالة ، كما أن تركهم للشيء ليس دليلاً على حرمته أو كراهته ، وقد قال الحافظ بن رجب في جامع العلوم والحكم عندما تعرض لشرح حديث العرباض بن سارية – الذي جاء فيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم – ( كل بدعة ضلالة ) – ( والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه وأما ما كان له أصل من الشرع يدل عليه فليس ببدعة شرعاً وإن كان بدعة لغة

وفيه أصل سيدنا عمر بن الخطاب هذا المفهوم من قبل حين جمع الصحابة والتابعين في صلاة التراويح على إمامة سيدنا ابي بن كعب على هيئة لم تعرف عند الصحابة من قبل ، فهي إذا بدعة وقد إبتدعها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولكنه يقول عنها ( نعمة البدعة هي ) وسيدنا عمر أورع وأعلم من أن يمدح الضلالة ، فهي إذا عنده بدعة حسنة لأته يوجد في شريعة الإسلام ما يدل عليها ، بل أن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل ما يبتدعه سيدنا أبوبكر وعمر وغيرهم من الخلفاء الراشدين من سنن الإسلام القويمة التي لا يلحقها ذم ، سيما وهو القائل ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ )
هذا وقد نجد في القرآن الكريم تأييد التمسك بالبدعة الحسنة فقد روى الإمام الطبراني في الأوسط من حديث أبي إمامة الباهلي رضي الله عنه قال ( إن الله فرض عليكم صوم رمضان ولم يفرض عليكم قيامه وإنما قيامه شيء أحدثتموه فداوموا عليه فإن ناساً من بني إسرائيل إبتدعوا بدعة فعابهم الله بقوله ( فما رعوها حق رعايتها ) وفي سند هذا الحديث زكريا إبن أبي مريم . ذكره إبن حيان في الثقات وقال النسائي ليس بالقوي ، وقال الدارقطني يعتبر به .. والحجة في فهم هذا الصحابي الجليل لهذه الآية إذ أنه فهم منها أنها لا تعيب على أولئك الناس إبتداعهم للرهبانية إبتغاء مرضاة الله بل عاتبهم على أنهم لم يرعوها حق رعايتها ، هذا الفهم الصحيح يفيد مشروعية البدعة الحسنة ، وقد وهم بعض العلماء في إطلاقهم صفة الضلالة على كل بدعة محدثة ، فأنكروا أن تكون بدعة حسنة – مستدلين بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض بن سارية ( فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة .... الخ )

والمعلوم عند العلماء أن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم يفسر مفسرها مجملها ويقيد مقيدها مطلقها وينسخ يعضها بعضاً . فما دام الحال كذلك فينبغي أن ننظر إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم نظرة شاملة حتى نصل إلى الحكم السليم . وقد إتفقت كلمة العلماء أن حديث العرباض ( كل بدعة ضلالة ) مخصص وليس على عمومه ، ومن حمله على عمومه كان من أهل الزيغ والضلال أو من الجهلاء الأغرار سيما ومخصص هذا الحديث قد ورد في أعلى درجة من صحيح الحديث . فقد روى الشيخان البخاري ومسلم عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد عليه ) ولفظ مسلم ( من أحدث في ديننا ما ليس منه فهو رد عليه ) يقول الحافظ في الفتح : ( هذا الحديث معدود من أصول الإسلام وقاعدة من قواعده ــ فإن معناه من إخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من إصوله فلا يلتفت إليه ) أ هـ والحديث إلى جانب ذلك يبين المراد من حديث ( كل بدعة ضلالة ) إذ أنه يفيد أن ما يحدث الناس نوعان :ــ

الأول : ما ليس من الدين بأن كان مخالفاً لقواعده ودلائله فهو مردود وهو البدعة الضلالة .
الثاني : ما أحدث وله أصل يشهد له ودليل يؤيده فهو صحيح مقبول وهو (السنة الحسنة) التي جاء الحديث بإثابة من سنها في الإسلام .

ويؤيد هذا الفهم أن كثيراً من الصحابة قد أحدثوا عبادات لا تخالف المأثور فأقرهم الرسول صلى الله عليه وسلم عليها ، ومن العبادات :


وقد علق الحافظ بن حجر العسقلاني في فتح الباري على هذا الحديث بقوله : ( واستدل به على جواز إحداث ذكر في الصلاة غير مأثور إذا كان لا يخالف المأثور ) .

ويلاحظ في هذا الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكتف بإقرار هذا الإعرابي على فعله بل أعطاه عليه جائزة ، علماً بأن هذا الدعاء من محدثات هذا الإعرابي .

هذا ولو ذهبنا نعدد الأمور المحدثة في الدين ولم يرد عليها نكير من العلماء لطال بنا الحديث ، ولقد أوردت هذه الأمثلة من المحدثات للتأكيد على صحة القول بتخصيص حديث ( كل بدعة ضلالة ) إذ لوكان هذا القول على إطلاقه وعمومه لكان كل ما ذكرت وغيره من البدع الضلالات التي يصار بأهلها إلى النار . ولكن لم يقل بذلك أحد من أهل العلم إلا ما حفظ شذوذا عن الإمام الشاطبي الذي أدرج البدع المحدثة تحت إسم المصالح ، فلم يفعل شيئاً غير الخلف في اللفظ ولا مشاحة في ذلك لأن :- المصالح المرسلة ، والإستحسان أصلان من إصول التشريع يرتكز عليهما كل محدث في الدين سيما في مجال المعاملات ويستند عليهما كل مبدع في الشرع ما دام منسجماً مع شرائع الإسلام ودلائله ، وقد دلت أقوال العلماء على ذلك .
ـــ يقول الإمام النووي في كتابه تهذيب الأسماء واللغات ( البدعة بكسر الباء في الشرع هي إحداث ما لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وهي منقسمة إلى حسنة وقبيحة )
ــ يقول الإمام الشافعي ( كل ما له مستند من الشرع فليس ببدعة ولو لم يعمل به السلف لأن تركهم للعمل به قد يكون لعذر قام لهم في الوقت أو لما هو أفضل منه أو لعله لم يبلغ جميعهم علم به )
ــ ويقول الإمام العز بن عبد السلام في كتابه القواعد ( البدعة منقسمة إلى واجبة ومندوبة ومكروهه ومباحة ، وذلك بعرضها على قواعد الشرع فإن إندرجت تحت الواجب فهي وآجبة وهكذا )
ــ ويقول القاضي أبوبكر بن العربي صاحب ( أحكام القرآن ) ليست البدعة والمحدثة مذمومين للفظ بدعة ومحدث ولا معناها وإنما يذم من البدعة ما خالف السنة ويذم من الحدث ما دعا إلى ضلالة )
ــ ويقول الإمام إبن لب راداً على من أنكر الدعاء عقب الصلاة ( غاية ما يستند إليه منكر الدعاء إدبار الصلوات : أن إلتزامه على ذلك الوجه لم يكن من عمل السلف الصالح ، وعلى تقدير صحة هذا النقل فالترك ليس بموجب لحكم في ذلك المتروك إلا جواز الترك وإنتفاء الحرج ، وأما تحريم أو كراهة بالمتروك فلا – ولا سيما قيما له أصل إجمالي متقرر في الشرع )
2- ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه من رواية سيدنا رفاعة بن رافع الزرقي قال ( كنا نصلي يوماً وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعة قال : سمع الله لمن حمده ــ فقال رجل وراءه : ربنا ولك حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه – فلما انصرف قال من المتكلم ؟ قال أنا ، قال : رأيت بضعة ثلاثين ملكاً يبتدرونها أيهم يكتبها أولاً ) . 3- ما أخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد جيد عن سيدنا أنس ين مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بإعرابي وهو يدعو في صلاته ويقول : ( يا من لا تراه العيون ولا تخالطه الظنون ولا يصفه الواصفون ولا تغيره الحوادث ولا يخشى الدوائر يعلم مثاقيل الجبال ومكاييل البحار وعدد قطرات الأمطار وعدد ورق الأشجار وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار لا تواري منه سماء سماء ولا أرض أرضاً ولا بحر ما في قعره ولا جبل ما في وعره أجعل خير عمري آخره وخير عملي خواتمه وخير أيامي يوم ألقاك فيه ) فلما إنصرف دعاه النبي صلى الله عليه وسلم ووهب له ذهباً إهدي إليه من بعض المعادن وقال له ( وهبت لك الذهب بحسن ثنائك على الله عز وجل ) . 4- ومنها ما ورد في صحيح البخاري عن حبيب بن عدي حين مقتله أنه أول من أحدث ركعتين عند القتل وما كانت هذه الصلاة تعرف قبل إحداثها . 5- ومنها كتابة زيد بن ثابت القرآن الكريم في صعيد واحد فقد أحدث ولم يك معروفاً في زمن المصطفى صلى الله عليه وسلم . 8- تحويل مقام إبراهيم إلى مكانه الحالي بعد أن كان ملتصقاً بالبيت وقد حوله سيدنا عمر بن الخطاب ولم تنكر الصحابة عليه هذا الصنيع . 9- إجتماع الناس على إمام وآحد في آخر الليل لاداء صلاة التهجد بعد صلاة التراويح وختم المصحف فيها ، وقراءة دعاء ختم القرآن ، وخطبة الإمام في الحرمين الشريفين إلى يومنا هذا ليلة سبع وعشرين في صلاة التهجد ، وكنداء المنادي بقوله : صلاة القيام أثابكم الله ــ كل هذا من المحدثات التي لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة ، فهل يكون فعلنا لها الآن ضلالة عاقبتها النار .
1- قول بلال رضي الله عنه ( الصلاة خير من النوم ) فهي من محدثات سيدنا بلال وقد قال له الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سمعها منه ( ما أحسن هذا أجعله في آذانك ) وقد أورد هذا القول أبو الشيخ في كتابه الآذان عن إبن عمر رضي الله عنهما ورواه الطبراني عن عائشة والبيهقي عن إبن عمر مرسلاً . 6- أمر عمر بن عبد العزيز بجمع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكتابته للعلماء بذلك وهو حدث من عمر بن عبد العزيز لم يك معروفاً كعمل رسمي شامل في زمن الصحابة وإن كان معروفاً عند بعض الأفراد منهم 7- ومنها تعدد الجمعات في البلد الواحد . وهذا أمر محدث لم يك معروفاً في زمن الصحابة ، وكذلك إعجام القرآن وتشكيله وتدوين الفقه ومذاهبه .
وقول القائل أن هذا الأمر لم يفعله السلف مستدلاً بذلك على كراهته أو حرمته أمر بعيد عن محاق العلم وتحقيق العلماء في ذلك ، لأن عدم فعل الشيء من السلف ليس دليلاً على حرمة أو كراهة ، بل هو عدم دليل . لأن الأصل في الأفعال والأشياء الإباحة حتى يرد دليل بالمنع ( تجريماً أو تكريهاً )
سقت هذا ليستفيد منه القراء الكرام سيما وأنني قد لمست سوء الفهم من بعضهم ( للبدعة المحدثة الضلالة )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اذا كان لديك أي تعليق أو ملاحظات حول هذا الموضوع يرجى كتابته هنا ، مع الشكر